٢٠٠٨-٠٣-١٩

نوشيروان مصطفى... سقوط ورقة التوت



ذات مرة كتب احد الكتاب التابعين للساسة بضع مقالات مطولة حاول أن يقدم فيها شخصية( نو شيروان مصطفى)، القيادي السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني، على انه مثقف المعي وليس سياسيا فقط. ونحن نعرف أن جمع صفة المثقف مع السياسي هي حالة رائعة لكنها نادرة. ولان هذا الكاتب لم يقدم مبررات وأدلة مقنعة عن أطروحته المثقفة تلك، فقد كان من الصعب على القارئ حينها التأكد من زيف ما حاول إقناعنا به. لكن حبل الكذب قصير، كما تقول الحكمة الشعبية، وجاءت اللحظة التي تم فيها كشف تهافت هذا الادعاء الفج. والطريف في الأمر إن الشخص الذي اثبت زيف هذا الادعاء هو( نو شيروان مصطفى) نفسه، حيث كشف، في لقاء تلفزيوني على فضائية البغدادية يوم 16 آذار أجراه معه الإعلامي العراقي الدكتور حميد عبداالله، من انه شخص بعيد عن صفة المثقف التي يلصقها به أتباعه. ذلك إن المثقف هو من يستطيع الاحاطة بالموضوعات المطروحة أمامه ومن يستطيع استكناه جوهر السؤال الذي يطرح عليه، وهذا لم يظهر في ردود نو شيروان في هذا اللقاء، فبعدما اكتفى بالإجابة بنعم وكلا على عدد من الأسئلة اخذ يجادل مضيفه وكأنه جالس في مقهى، في الوقت الذي يفترض فيه وضعه كسياسي وكمثقف، كما هو موصوف في مدونات الاتباع والمتملقين، أن يغتنم فرصة اللقاء التلفزيوني معه لتقديم اكبر قدر ممكن من الأفكار والتحليلات حول الموضوعات التي يتناولها.

في هذا اللقاء لم يكن نو شيروان مكشوفا كشخص غير كفوء في مضماري السياسة والثقافة وإنما ظهر كسياسي فاشل يكذب بطريقة فجة وليس على طريقة السياسيين الحاذقة. وتجلى هذا بوضوح في إجابته على سؤال محاوره حول قيادته الشخصية لمعارك قتل فيها الكثير من الشيوعيين العراقيين ( المقصود معارك بشتاشان عام 1983)، حيث قال، وبعد أن لف ودار ولوى رقبته، بان الحزب الشيوعي العراقي كان ضمن تحالف (جود)( الجبهة الوطنية الديمقراطية) ، وان الحزب كان ضمن الجبهة العسكرية لهذه الجبهة، وان (جود) كانت تريد إقصاء الاتحاد الوطني الكردستاني عن ساحة النضال( كذا). وكذلك لم يكن الحزب الشيوعي العراقي المتكبد الأكبر للخسائر، وإنما هو ضخم الموضوع وأثار ضجة حول هذه العملية لان ماكنته الإعلامية أقوى من التي عند الآخرين. وفي محاولة ساذجة لخلط الأوراق قال إن (جود) كانت تتلقى الدعم من إيران، وان الاتحاد الوطني الكردستاني كان حينها في صراع مع إيران.

هذه باختصار إجابته عن هذا السؤال المهم। وهي، باختصار أيضا، كلها ملفقة وكاذبة. لان الوقائع المعروفة للكثيرين تقول عكس ذلك تماما.

أولا لم تكن جبهة (جود) ولا حتى الحزب الديمقراطي الكردستاني كانا قد وضعا ذات يوم في اولوياتهما طرد الاتحاد الوطني الكردستاني من ساحة العمل المسلح، أو ساحة النضال كما يحلو لـ (نوشيروان) تسميتها. بل أن الوقائع كانت تقول عكس ذلك تماما. فقد كان الاتحاد الوطني هو الذي يسعى لإبعاد القوى السياسية عن مناطق العمل المسلح التي ينشط هو فيها، لأنه، وعملا بما جبل عليه سياسيا، كان يريد الانفراد بالقرار السياسي في أي منطقة يتواجد فيها. وكان يريد كذلك من الآخرين الانصياع له، وذلك لنزوع زعاماته الحزبية إلى الانفراد والسعي لإقصاء الآخرين أيا كانوا أو جعلهم تابعين. وهذا يتعارض بداهة مع كل قيم العمل الوطني. ومن هذه الخلفية وبتلك الدوافع قام هذا التنظيم المريب بخوض عدة معارك مفتعلة مع جميع الأحزاب الكردستانية فيما سمي زورا باقتتال الأخوة راح ضحيتها الألوف من أبناء الشعب الكردي. وكان في جميع هذه المعارك هو البادئ وهو المعتدي. ومعركة (هاكاري) خير دليل على هذا القول، حيث قامت قوات الجلاليين حينها بالهجوم على المقرات الرئيسية للحزب الديمقراطي الكردستاني في منطقة بهدينان بهدف كسرهم عسكريا والاستيلاء على المنطقة. والجميع يعرف أن ارض كردستان كانت مقسمة بين الحزبين. فمنطقة بهدينان كانت تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومنطقة سوران تخضع بدرجة كبيرة لسيطرة قوات الاتحاد الوطني. ولم تسجل طيلة فترة العمل المسلح أي حادث حاول فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني الاقتراب من مناطق الجلاليين وذلك تجنبا للاقتتال معهم. مع إن منطق الأشياء يقول إن من حق أي حزب وطني التواجد في المنطقة التي يرى أن عمله فيها ممكن وضروري. ثم إن الحزب الشيوعي العراقي عرف بمواقفه الحيادية في عملية الصراع الطويلة بين الطرفين المتصارعين، بل والأكثر انه كان يحاول أن يصلح الأمور بينهما. حتى عرف بأنه حزب( ريش سبى) أي ذو اللحية البيضاء، وهي كناية للشخص الخّير الذي يصالح بين المتخاصمين. كما أن الحزب الشيوعي العراقي كان عضوا في التحالف الآخر المتواجد فيه الاتحاد الوطني الكردستاني وهو جبهة (جوقد) ( الجبهة الوطنية والقومية الديمقراطية)( أخفى نو شيروان هذه المعلومة مهمهما بجملة مبتورة) وهي متشكلة من مجموعة من الأحزاب السياسية العراقية الصغيرة والمتواجدة خارج ارض العراق( في سورية). وهي جبهة ليست نقيضة لجبهة (جود) ولا في حالة صراع معها على الإطلاق. علما إن جبهة (جود) قد تشكلت بشكل أساس بسبب من ممانعة الاتحاد الوطني الكردستاني على دخول الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جبهة (جوقد) التي كان يفترض بان تكون هي الأوسع وتجمع كل قوى المعارضة.( ألا يذكر هذا بجبهة الاتحاد الوطني عام1957 حينما اعترض البعثيون على وجود الحزب الديمقراطي الكردستاني فيها ـ أنا هنا اذكر فقط ولااقارن بين الحالتين أو أشير إلى التشابه في السلوك). يتبين مما تقدم أن الحزب الشيوعي العراقي لم يكن طرفا في النزاع الدائر بين الحزبين الكردستانيين، ولم ينحز لأي طرف منهما. ولم يكن سلوكه عدواني إزاء أي طرف مما يسقط عمليا أي ادعاء لـ (نو شيروان) وحزبه بدوافع استهدافهم له.

من ناحية أخرى بدت إشارة (نوشيروان) إلى علاقة إيران بجبهة جود، وضمنا بالحزب الشيوعي العراقي، في منتهى البؤس والوقاحة। فهو يعرف قبل غيره من ان الحزب الشيوعي العراقي لا تربطه أي علاقة بإيران، ولم ينفذ أية أجندة خارجية لا لإيران ولا لغيرها. بل على العكس فالحزب كان يعاني من مشاكل جدية بهذا الشأن لأهمية إيران كممر بين الخارج وكردستان، وكان تواجده وحركته هناك سرية ومحفوفة بالمخاطر. ويبدو أن محاولة الإيحاء البائسة هذه هي من اجل الإيهام بإضفاء نوع من الدوافع الوطنية لاقتتال الاتحاد الوطني الكردستاني ضد الحزب وضد جبهة (جود)، حيث كانت، كما هو معروف، الحرب العراقية الإيرانية آنذاك في أوج اشتعالها. ومما يجدر التأكيد عليه هنا هو انه لم يكن لخلاف أو صراع الجلاليين مع إيران آنذاك أي علاقة بما قام به الجلاليون من جريمة اعتداء على الحزب الشيوعي العراقي. وهذا ادعاء وتزييف يعرف أي تلميذ ابتدائي انه محض هراء وافتراء. لان الدوافع الحقيقية وراء استهداف الحزب الشيوعي العراقي، وهي الأكثر أهمية والجديرة حقا بالكشف، هي إن الاتحاد الوطني خطط لهذه المعركة ونفذها ضمن حالة تعاون مع نظام صدام حسين آنذاك، وهي تحقيق لأهداف مشتركة بينهما. وهذه المعركة تندرج، شاء (نو شيروان) وأتباعه ذلك أم أبوا، ضمن جرائم نظام صدام حسين، وقد نفذت بأيدي عملاء مباشرين له هم عناصر الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة نو شيروان وجلال الطالباني( الرئيس الحالي للعراق، الديمقراطي جدا والإنساني جدا). أما ادعائه بان العملية ضخمت من قبل ماكنة الشيوعيين الإعلامية فهذا أيضا ادعاء متهافت، لان القيادة الرسمية للحزب الشيوعي العراقي وإعلامها، لم يلحا على ذكر هذه الواقعة في ادبياتهما، ولا في نشاطهما الإعلامي، خصوصا بعد أن تحسنت العلاقات بين هذه القيادة وبين الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن القضية – الجريمة انتشرت وعرفت على نطاق واسع لأنها أخذت تتحول إلى واحدة من متبنيات الرأي العام العراقي المثقف، وذلك ليس بسبب من أن الماكنة الإعلامية للحزب الشيوعي العراقي تلح وتضخم الحدث، وإنما لان واقعة بشتاشان حركت مشاعر العراقيين وحفزت وعيهم ونبهتهم إلى أنها كواقعة كانت دليل عملي على ادعاءات مزيفة بالديمقراطية والنزعة الإنسانية لأشخاص، كجلال الطالباني وتابعه نو شيروان، أيديهم في الحقيقة ملطخة بدماء أبناء الشعب العراقي. وكذلك لان هذه الجريمة كانت ذات طابع عنصري كشف الذهنية العنصرية الحاقدة لهؤلاء الأشخاص ولتنظيمهم. فقد وقعت، كما هو معروف، تصفيات جسدية لأسرى المعارك، على الضد من أخلاق الفروسية وأصول الحروب في التعامل مع الأسير، وقد تم قتلهم بدوافع عنصرية وبكراهية مكشوفة لأنهم عرب. وهذا الأمر لا يستطيع لا (نو شيروان) ولااتباعه من الكتبة الاتباع أن ينكره أو يخفيه.

ويبقى هناك أمر آخر مهم وهو سؤال مقدم البرنامج فيما إذا قام (نو شيروان) وحزبه بمراجعة لتلك الفترة ولذلك السلوك( الجريمة). فكانت الإجابة( إن الإنسان حين يهاجم ألا ينبغي عليه أن يدافع عن نفسه). وبهذه الإجابة لم يثبت ( نو شيروان) ما بات معروفا عنه وأثبتته سيرته السياسية طيلة حياته من انه شخص بلا أخلاق، وإنما اثبت انه محدود الذكاء. ففي زمن المراجعات الكبرى للذات الذي تمارسه كل القوى الحية في أي مجتمع، وبدلا من أن يناقش مسالة إمكانية هذه المراجعة أو ضرورتها أجاب بلا حياء إجابته تلك. وبهذا يكون قد أسدل الستار وللأبد على أي فكرة لمراجعة ألذات يمكن أن يمارسها يوما ما هذا التنظيم العنصري، والتي كانت تراود، كحلم بعض السذج والمداهنين من الشيوعيين.

هكذا أصبحت، وفق عقلية ومنطق (نو شيروان) المطالبة بالمراجعة هجوما ينبغي الدفاع عن ألذات إزاءه। وبهذا الجواب أكد (نو شيروان) من جديد منطلقاته الاستبدادية والاقصائية التي ميزت تنظيمه الحزبي، وأكد بدون مواربة أن عقل الانفتاح والديمقراطية ودولة القانون الذي يلهج بها إعلامهم وتوابعهم ماهو إلا محض كذب فج. ووفق هذه المعطيات لم يبق أمام العراقيين المعنيين بهذه القضية، كقضية رأي عام، سوى اعتبارها جريمة جنائية وسياسية لا يحق لغير القضاء القول الحسم فيها.

لكن رغم كل شيء ومهما تتغير المواقف تبقى هذه الجريمة ندبة مشوهة في تاريخ الحركة السياسية العراقية ينبغي على الجميع تذكرها لكي لا يمر القتلة।

مقطع قصير فيه جزء من المقابلة

ليست هناك تعليقات: