٢٠٠٩-٠٢-٢٧

في إنصاف النقد



يطرح بين حين وآخر في الصحافة الالكترونية نقد موجه لسلوك ونشاط وتاريخ الحزب الشيوعي العراقي، واغلب هذا النقد يوجه من قبل أشخاص عاشوا تجارب هذا الحزب وعايشوا مراحل معينة في مسيرة عمله ونشاطه السياسي والتنظيمي. وطبيعي ان خلفية المعايشة تمنح هؤلاء النقاد أرضية جيدة من المعطيات والفهم العميق لما ينقدونه وتؤهلهم، كما يفترض، لهذه المهمة، وتمنح في نفس الوقت نقدهم المزيد من المشروعية. لكن للأسف ليس كل ما كتب يمكن تصنيفه وقبوله على انه نقد جاد ومسؤول. لان النقد كممارسة ثقافية وفكرية يشترط، برأيي، الموضوعية والجدية ونزاهة الدافع. وإذا فقد هذه الأساسيات سوف يتحول إلى مشاجرة وتبادل شتائم وتعبير عن أحقاد شخصية ولن يخدم في النتيجة أحدا، ولن يوصل رسالته او يبلغ أهدافه في معالجة الواقع او بلورة موقف مخالف يستند إلى أسس عقلانية.


من هنا أرى ان النقد ألذي وجه للحزب الشيوعي العراقي حركته دوافع ومنطلقات يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

الأول هو نقد مبني على حقد شخصي يسعى لتصفية حساب ناتج عن مرارة شخصية او خيبة أمل، وغالبا ما يكون هذا النقد ممتزجا بموقف فكري مغاير ينتج عن تحول شامل في توجهات صاحبه ويكون مختلف اختلافا جذريا عن منطلقات الحزب الفكرية باتجاه لبرالي او روحاني كما يدعي أصحابه. ويتسم هذا النقد بأسلوب تجريحي وشخصاني وميال إلى لغة الاحتقار والاستهزاء، وهي لغة لا يمكن قبولها في دائرة النقد العلمي. كما ان هذا النقد او الرؤية يفترضان ان ليس هناك أي شيء منطقي ومقبول وسليم ليس في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والعاملين فيه فحسب، وإنما في كل تاريخ الحركة الشيوعية وفي عموم الفكر اليساري. كما يرافق هذا النقد سعي حثيث لإلحاق الأذى النفسي والمعنوي بمن يعتنق هذا الفكر. ومن بين سلوكيات هذا النقد هو افتعال المناسبة لتوجيه النقد او إقحامه في أوقات ليست هناك ضرورة مقنعة لها، او باختيار توقيت يكون النظر فيه مشدودا للحزب فيحاول ان يسيء إليه ليؤثر سلبا على نشاطه، كما هو عليه الحال في هذه الأيام على سبيل المثال، حيث ينشط الكثير من الشيوعيين ومؤيديهم للتعبئة لحملة الانتخابات المحلية. وهي فترة حرجة يكون أي كلام فيها ينال من الحزب، مالم تكن له مبررات قاهرة، سلوكا عدوانيا. في هذا التوقيت بالذات، خرج علينا شخص بمقال يسخر فيه ويفند كل جذور وقيم الحزب الشيوعي العراقي التي هي، بالمناسبة، ليست ملكا للحزب بقدر ما هي ملكا لجميع من عمل وناضل في صفوفه، وبالتالي فان الانتقاص من هذه القيم وتشكيل صورة كاريكاتورية مشوهة لها ولماضي الحزب يسيء لهذا التاريخ ولحامليه. ومع ان الرأي يحترم في كل الظروف والمناسبات لكنه يفقد، بتقديري، مصداقيته وجدارته ولن يحظى باحترام المتلقي حين يكون وراءه دافعا شخصيا غير سوي، ويكون هدفه هو مجرد إلحاق الأذى والإساءة لتاريخ يتشارك فيه كثيرون.


ان المرارة الكامنة وراء هذه الرؤية والممارسة يمكن ان تكون مفهومة لكنها غير مبررة، لان النقد هو موقف ناتج عن رؤية وفهم وتحليل وليس انفعال عاطفي ساخط يسيء بالمحصلة لصاحبه أكثر مما يسيء لمنقوده.

والثاني هو نقد ينطلق من أرضية فكرية وأخلاقية مغايرة تماما، ويأتي من أشخاص تحولوا تحولا كاملا في أفكارهم وانتماءاتهم وسلوكهم وانتقلوا إلى صفوف معادية، وارتبطوا بنظام صدام حسين قبل سقوطه، وانتظموا بعد سقوطه في اطر عمل سياسية وربما تنظيمية قريبة او متداخلة مع تنظيمات وأنشطة البعثيين. وهذه الخلفية بحد ذاتها تجرد نقد هؤلاء، برأيي، من أية قيمة. يتسم نقد هؤلاء عادة بالحدة والعنف مستعينين في طرحه بقاموس مفردات البعث البالية والشكلية كالخيانة، والعمالة وغيرها من الأوصاف الجاهزة التي لا تعبر عن أي عمق فكري ولا تقوم على أي أساس تحليلي. ويكون في غالب الأحيان طرح هؤلاء غير موضوعي وتلفيقي ويعتمد معلومات كاذبة ومشوهة هدفها تسقيط من يوجهون النقد اليه.

اما الثالث فهو الأقل شهرة لكنه الأكثر صدقا وربما تأثيرا لأنه نقد موضوعي وعقلاني وملتزم بأدب الحوار، ويكون مبنيا في العادة على معطيات صحيحة ورؤية عقلية منضبطة وأسلوب ملتزم ومنهجية ناضجة. ويكون أصحاب هذا النقد في الغالب أصحاب رؤية يسارية تتشارك مع أصول الحزب الفكرية ولكنها تختلف معه في الرؤية وفي الفهم والتحليل وبالتالي في الموقف. وهدف نقد هؤلاء هو تحقيق تطور في الرؤية السياسية لليسار وتعميق فهمه للواقع من خلال طرح البدائل والمعالجات الجادة للمشاكل والأخطاء والممارسات الشاذة التي يمارسها الحزب الشيوعي العراقي او أي جهة يسارية ما او أفراد منهما.

هذا التصنيف مهم جدا لأنه يؤدي إلى فرز ضروري بين من يمارسون النقد، ويحدد طبيعة هذه الممارسة وأشكالها وأهدافها لكي لا يقع خلط، مقصود في الغالب، بين هؤلاء الناقدين. فهناك، ممن هم من داخل الحزب، سوف يستفيدون بالتأكيد من هذا الخلط ليظهروا للملأ ان النقد، كل النقد، الموجه للحزب او لأفراد داخله لا قيمة له لأنه لا تحركه أسس موضوعية وليس لديه أهداف جادة.

ان المستفيدين من أوضاع الحزب الشاذة، وحارقي البخور من كتابه من مدمني المديح الرخيص، يهمهم كثيرا ويفرحهم هذا الخلط ليسهل لهم وضع كل النقاد في خانة واحدة لكي يفلتوا هم من تسليط الضوء على ممارساتهم السيئة، وكشف قصوراتهم السياسية وسلوكهم الشخصي والتنظيمي او الإداري.

من هذا المنطلق علينا ان نعيد للنقد صلاحيته وجدارته بتنظيف ساحته من أدران الحقد والشخصانية ونعلي من قيمته ونحوله إلى سلاح تغيير وإعادة بناء وليس أداة لتصفية حسابات

لاتفعل شيئا سوى أنها تديم الخطأ وتنقذ المخطئ।

11-1-2009

ليست هناك تعليقات: