استراتيجية بعثية
بسيطة واضحة ومفهومة
قيل كلام كثير وسيقال أكثر في المستقبل عن دور البعثيين الكبير في الأزمة الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها العراق الآن، الأمر الذي يجعل الكلام في هذه الموضوعة مكرور ولاياتي بجديد. ولكن لان نشاط البعثيين، بل وجودهم بحد ذاته، خطر على مستقبل الوطن ينبغي إذن التأكيد والتذكير المستمر بأدوارهم، وكشف مكنونات عقليتهم وما يغلفون به نواياهم للوصول إلى أهدافهم، وذلك لقطع الطريق عليهم بتحصين الوعي وتنوير الرأي العام لكي لا يمروا مرة أخرى بغفلة من المجتمع. وهذا الجهد، برأيي، هو أول واهم ادوار القوى السياسية وكل وطني متطلع لمستقبل ديمقراطي لبلده.
بتنا ندرك من خلال الوقائع وتواصل الأحداث، بعد سقوط النظام البعثي، بان هناك استراتيجية مخطط لها بشكل جيد تحكم سلوك البعثيين من اجل إستعادة مقاليد السلطة والقرار إلى أيديهم. والتحكم مرة أخرى في مصائر وحياة الناس انتقاما بالدرجة الأولى، ولهوى مزمن أدمنوا فيه على السلطة لا يجعلهم يرون أفقا معقولا لوجودهم بخارج أطرها. ويمكننا ان نستدل على طبيعة تلك الاستراتيجية ليس فقط من خلال النظر بطبيعة ممارساتهم الحالية المغلفة والمتخفية ب/ ووراء الكثير من اليافطات والواجهات وحسب وإنما من خلال عطفنا كل ذلك على خلفيتهم العقلية وتاريخهم السياسي الدموي الاستبدادي .
ينبغي علينا هنا، قدر المستطاع، بعد تحديد أهداف هذه الاستراتيجية، الكشف عن أدواتها ووسائلها والقوى الحاملة لمشروعها التخريبي.
لابد ان المتتبع للأحداث بعد سقوط النظام قد لاحظ منذ البداية ذلك الاختفاء المريب لكل قوى البعثيين، بل للدولة باجمعها وبكل قدراتها اللوجستية تحت الأرض. بعدها سعى البعثيون، كمرحلة أولى، لجس نبض الشارع وتلمس ردود فعله واتجاه مسار الأحداث فيه، واخذوا في لم شملهم مرة أخرى بعدما لاحظوا تراخ في متابعتهم وضعف للقدرة على تشخيصهم ومعرفة تحركاتهم، وبالتالي توجيه ضربة قاصمة إليهم. وبطبيعة الحال فان سلوكهم هذا جاء نتيجة لخبرتهم وحدسهم الأمني المتطور وقراءتهم للواقع بعد تجربة انتفاضة آذار ومعرفتهم بردود فعل الشارع والقوى السياسية الانتقامية ضدهم. فكانت المرحلة الأولى هي تفادي الضربة، لينتقلوا وبسرعة إلى مرحلة أخرى هي إظهار رؤوسهم، بصلافة، بعدما امنوا العقاب، واخذوا، مستغلين الظروف بكل ملابساتها وعدم قدرة المواطن على كسر حاجز الخوف كليا، والذي يعملون جاهدين من اجل إعاقته على كسره، برفع أصواتهم والمطالبة بقبولهم، مدعومين باليافطات والشعارات، كحالة طبيعية في الحياة السياسية تمهيدا لانقضاضهم الكامل على السلطة من جديد.
وأكيد ان هكذا استراتيجية مبنية على هكذا حسابات ونوايا لم يتم وضعها بين عشية وضحاها، إذ لايمكن للمتتبع هنا ان يستبعد بعد النظر الذي يحركه الهاجس الأمني ألعصاباتي< من عصابة> لدى البعثيين، فأملى عليهم هذا الواقع وضع خطط احترازية تتناسب مع متغيرات الأوضاع تؤمن لهم بقاء في السلطة أو عودة إليها في حال انتزاعها منهم. ودللت خبرة الصراع معهم أنهم قد سعوا دائما لدس عناصرهم في تنظيمات المعارضة السياسية. لكنهم وبعد تدويل قضية العراق على خلفية غزو النظام لدولة الكويت و اثر التفكك في قواه وسعي قوى دولية لإبعاده عن السلطة قد لجا إلى نوع آخر من الاندساسات يكون في هذه المرة وبشكله الجديد داخل قوى المعارضة وليس تنظيماتها فقط، عن طريق تنظيمات وأشخاص ظهروا وكأنهم منشقون عن النظام ويعادونه.
وهكذا وجدنا الآن بعد سقوط النظام وبروز دور المعارضة في حياة البلد السياسية ان هناك كم لا يستهان به من الأفراد والتنظيمات السياسية التي تشكلت بعيد السقوط، مستثمرة حالة الفوضى وجو الحرية، فشكلوا جميعا الأدوات الرئيسية لاستراتيجية عودة البعثيين إلى الواجهة ثم إلى السلطة.
من بين ابرز واهم ابتكارات البعثيين من وسائل يراد لها ان تقوم بالتهيئة العقلية والنفسية للشارع السياسي للرضوخ لهم وقبولهم هو ابتكارهم لمصطلح <الصداميين>، وسعيهم لترويجه ، وذلك للفصل بين البعثيين <والصداميين> واظهارهما وكأنهما حالتين مختلفتين جوهريا. بينما البعث، كعقلية ومفاهيم، ان لم يكن بالمنطلقات النظرية، فبالممارسة العملية، هو تنظيم عنصري فاشي. والعقلية التي أنتجت عقائده بالإضافة إلى ظروف تشكله التاريخي توصلان الى أنهما هما المنتج الفعلي لظاهرة <الصدامية>. بل أكثر من هذا ان <الصدامية>، مع كل التحفظ على هذا الاصطلاح، هي أكثر الصور جلاءا لعقيدة البعث وأكثر النماذج تحقيقا لذهنيته وقيمه.
ولم تكن عملية الترويج لهذا المصطلح ـ المفهوم بدعة جديدة، وإنما هي بدأت قبل سقوط النظام بسنوات وحمل رايتها صاحب جريدة الزمان ألبعثي< سعد البزاز>. وقد تركزت مساهمة هذا الشخص وتوسعت بعد سقوط النظام من خلال محطته الفضائية< الشرقية>< الحيادية في طرحها>< والتي لا تخشى في الحق لومة لائم>< هكذا> التي صارت منبرا للعروبيين والبعثيين.
الابتكار الثاني لهذه الاستراتيجية هو الربط حد التماهي بين سنة العراق العرب وبين تنظيمات البعث ومؤسسات قمعه ضمن بقعة جغرافية محددة هي غرب العراق. فابتكروا مصطلح <المثلث السني> في محاولة لإلباس الصراع الدائر بين قوى الشعب من جهة وبين بقايا النظام ألبعثي من جهة أخرى لباسا طائفيا لتحشيد وتضليل سنة العراق العرب. لهذا ينبغي، بتقديري، إبدال هذا المصطلح التضليلي
< المثلث السني> بمصطلح <المثلث ألبعثي> لأنه اقرب للواقع. أما إذا كان السنة العرب في هذا المثلث قد اختاروا البعث ممثلا أيدلوجيا وغطاءا سياسيا لهم، فعليهم ان يتحملوا نتائج ذلك، وان يقبلوا إقصائهم من الحياة السياسية لأنهم، في تلك الحالة، ينضوون تحت راية الفاشية والاستبداد ويضعون أنفسهم في الجانب المضاد والمعادي للشعب العراقي بمختلف مكوناته.
استكمالا لادوار هذه الاستراتيجية تشكلت تنظيمات جديدة ـ كجماعة الحوار الوطني< لصاحبه صالح المطلك. وتنظيم أيهم السامرائي ومشعان الجبوري وبعض التنظيمات العروبية الأخرى > انظمت بجهودها إلى تنظيم أياد علاوي الذي عاد إلى أحضان < الحبايب> الأولى بعدما عجز عن تجاوز بعثيته واخذ يروج لإلغاء فكرة البعث مع الإبقاء على البعثيين. وهذه مفارقة محيرة فكاننا بتغيير عنوان البعثيين نكون قد غيرنا جوهرهم وتخلصنا من آثارهم في حياتنا.
استدراكا للفكرة نقول: لاباس لمن حمل التفكير ألبعثي من تغيير أفكاره وتبني طروحات عصرية إنسانية تنسجم مع تطورات الحياة والعصر، ولكن هذا لا يكون بضغطة زر، فهذا التغير يتطلب جهودا ومراجعات ومدة زمنية ربما تتجاوز عمر جيل بأكمله. فمسالة قدرة البعث على تغيير طروحاته وتقديم نفسه من جديد ـ إذا استطاع البقاء على قيد الحياة ـ تفترض مرور مدة زمنية طويلة جدا وبحاجة إلى براهين عملية كثيرة وكبيرة مشكوك في أهلية هذا الفكر وهؤلاء الأفراد على امتلاكها وتقديمها، ناهيك عن إقناع الناس بها، وبالتالي الأفضل لهم الانسحاب من الحياة السياسية والقبول بمصيرهم الحتمي:
الزوال والانقراض.
لا يمكننا بعد ما تقدم إلا ان نصف الاستراتيجية البعثية بالاستراتيجية التدميرية لأنها لاتحمل أي وازع أخلاقي أو قيم إنسانية أو وطنية. فهي كما خبرناها في كل الظروف ولاسيما الحالية، تريد إشاعة الرعب ونشر الخوف بتعمدها القتل العشوائي، وتخريب البنية التحتية، والاغتيالات وبإحالة حياة المواطن إلى جحيم لا يطاق وبترهيب من يتفاعل مع العملية السياسية ممن يحسب على معسكرهم.
والمتابعون حتما يدركون ان هناك أدوات وعناصر متعددة متوافرة لتنفيذ هذه الاستراتيجية، من تنظيمات سياسية اشرنا لبعضها وقدرات مادية < مبالغ ضخمة من أموال البلد هربت إلى الخارج> وامكانات لوجستية< قدرات أجهزة دولة بأكملها هربوا بها تحت الأرض> وهناك ايضا كتاب و< مثقفون> صلفون يدافعون عن النظام ورموزه.وايضا فضائيات عربية وعراقية، صحف، وحتى مطربون، وأكثر من ذلك ان رموزهم موجودون على قيد الحياة، ويطالبون بكل وقاحة بإخراجهم من السجن. لايمكن اغفال مااتاحه لهم الظرف الحالي الشاذ من قدرة على التحرك لنشر سمومهم بين الناس واعانهم على تعطيل فاعلية المجتمع باشاعة السلبية والترقب خوفا أو عدم ثقة بالبدائل. وهنا، بالبدائل، يجب ان يأخذ الموضوع انعطافته. فاستراتيجية البعثيين لم يكن لها ان تنجح، وبأي مستوى كان، لولا غياب الاستراتيجية البديلة في مواجهتها. وهذا الأمر تتحكم به عدة عوامل. منها تشتت القرار وضعف استقلالية الحكومة والقوى السياسية على العموم بسبب الاحتلال، الذي يعمق الاختلالات الدائمة في أبنية وأنشطة الدولة والمجتمع. ولكن الخلل الأكبر الان، برايي، يأتي من تخبط الدولة في إتباع الإجراءات المناسبة لردع هذه الاستراتيجية. فالخبرة التاريخية تؤكد ان على أي دولة، مهما أوغلت في ديمقراطيتها وإنسانيتها، بل بسبب ذلك، ان تواجه مثل هذه الممارسات بالمزيد من الحزم والشدة للدفاع عن نفسها وعن المجتمع. فما هو حاصل الآن من إبقاء للمجرمين دون عقاب وإبقاء رؤوس النظام دون حسم في مصيرهم يمد البعثيين بالأمل في تواصل تنفيذ خططهم.
والأمل بالعودة هو المداد الذي يمد البعثيين بالثقة ويجرئهم على الإيغال في تنفيذها.< وما يتناقل من أخبار هذه الأيام عن مفاوضات للبعثيين في الخارج مع الاحتلال يدلل على أنهم تقدموا كثيرا في مخطط عودتهم >. فهم حتى بعد إلقاء القبض عليهم وإظهار توبتهم الزائفة < جميعهم يظهر ندمه بعد إلقاء القبض عليه> يأملون في تحول بالظروف سيخرجون فيه من السجن ويحصلون على المكافأة. ولازال حتى صدام، بكل حمق وسفاهة، يأمل بالعودة إلى السلطة. فهل يكون الآخرون اقل غرورا وبلاهة منه؟.
ان تشديد الحزم وتنفيذ عقوبات قاسية جدا بحق من تثبت إدانته وبدون تأخير، هو، بلا شك، احد أهم الإجراءات الضرورية الكفيلة يردع البعثيين ويوقف زخم عنفهم المسلط على المواطنين.
نقول هذا لان الحكومة العراقية قد بالغت، بلينها، لإظهار نفسها بالمظهر الديمقراطي والحريص على حقوق الإنسان. الأمر الذي يدفع بتساؤل مشروع يحق للمواطن ان يطرحه:
أليس بالأمر العجيب أن الحكومة تحفظ حقوق مجرم كصدام فيما هي تخرق حقوق كل العراقيين من خلال تهاونها برد الصدمات عنهم، وتركهم فريسة سهلة لأعدائهم؟. اوليس غياب الخدمات بحد ذاته هو حالة من الانتهاك لحقوق الإنسان العراقي تتسبب به الحكومة بتهاونها مع البعثيين؟.
ان البعثيين يأملون بالعودة لأنهم يؤمنون بالمثل الغجري القائل:
من السجن تستطيع الخروج لكنك من القبر لن تخرج أبدا.!.!
فلا تدعونهم يدخلون السجون إذن.
31-7-2005
بسيطة واضحة ومفهومة
قيل كلام كثير وسيقال أكثر في المستقبل عن دور البعثيين الكبير في الأزمة الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها العراق الآن، الأمر الذي يجعل الكلام في هذه الموضوعة مكرور ولاياتي بجديد. ولكن لان نشاط البعثيين، بل وجودهم بحد ذاته، خطر على مستقبل الوطن ينبغي إذن التأكيد والتذكير المستمر بأدوارهم، وكشف مكنونات عقليتهم وما يغلفون به نواياهم للوصول إلى أهدافهم، وذلك لقطع الطريق عليهم بتحصين الوعي وتنوير الرأي العام لكي لا يمروا مرة أخرى بغفلة من المجتمع. وهذا الجهد، برأيي، هو أول واهم ادوار القوى السياسية وكل وطني متطلع لمستقبل ديمقراطي لبلده.
بتنا ندرك من خلال الوقائع وتواصل الأحداث، بعد سقوط النظام البعثي، بان هناك استراتيجية مخطط لها بشكل جيد تحكم سلوك البعثيين من اجل إستعادة مقاليد السلطة والقرار إلى أيديهم. والتحكم مرة أخرى في مصائر وحياة الناس انتقاما بالدرجة الأولى، ولهوى مزمن أدمنوا فيه على السلطة لا يجعلهم يرون أفقا معقولا لوجودهم بخارج أطرها. ويمكننا ان نستدل على طبيعة تلك الاستراتيجية ليس فقط من خلال النظر بطبيعة ممارساتهم الحالية المغلفة والمتخفية ب/ ووراء الكثير من اليافطات والواجهات وحسب وإنما من خلال عطفنا كل ذلك على خلفيتهم العقلية وتاريخهم السياسي الدموي الاستبدادي .
ينبغي علينا هنا، قدر المستطاع، بعد تحديد أهداف هذه الاستراتيجية، الكشف عن أدواتها ووسائلها والقوى الحاملة لمشروعها التخريبي.
لابد ان المتتبع للأحداث بعد سقوط النظام قد لاحظ منذ البداية ذلك الاختفاء المريب لكل قوى البعثيين، بل للدولة باجمعها وبكل قدراتها اللوجستية تحت الأرض. بعدها سعى البعثيون، كمرحلة أولى، لجس نبض الشارع وتلمس ردود فعله واتجاه مسار الأحداث فيه، واخذوا في لم شملهم مرة أخرى بعدما لاحظوا تراخ في متابعتهم وضعف للقدرة على تشخيصهم ومعرفة تحركاتهم، وبالتالي توجيه ضربة قاصمة إليهم. وبطبيعة الحال فان سلوكهم هذا جاء نتيجة لخبرتهم وحدسهم الأمني المتطور وقراءتهم للواقع بعد تجربة انتفاضة آذار ومعرفتهم بردود فعل الشارع والقوى السياسية الانتقامية ضدهم. فكانت المرحلة الأولى هي تفادي الضربة، لينتقلوا وبسرعة إلى مرحلة أخرى هي إظهار رؤوسهم، بصلافة، بعدما امنوا العقاب، واخذوا، مستغلين الظروف بكل ملابساتها وعدم قدرة المواطن على كسر حاجز الخوف كليا، والذي يعملون جاهدين من اجل إعاقته على كسره، برفع أصواتهم والمطالبة بقبولهم، مدعومين باليافطات والشعارات، كحالة طبيعية في الحياة السياسية تمهيدا لانقضاضهم الكامل على السلطة من جديد.
وأكيد ان هكذا استراتيجية مبنية على هكذا حسابات ونوايا لم يتم وضعها بين عشية وضحاها، إذ لايمكن للمتتبع هنا ان يستبعد بعد النظر الذي يحركه الهاجس الأمني ألعصاباتي< من عصابة> لدى البعثيين، فأملى عليهم هذا الواقع وضع خطط احترازية تتناسب مع متغيرات الأوضاع تؤمن لهم بقاء في السلطة أو عودة إليها في حال انتزاعها منهم. ودللت خبرة الصراع معهم أنهم قد سعوا دائما لدس عناصرهم في تنظيمات المعارضة السياسية. لكنهم وبعد تدويل قضية العراق على خلفية غزو النظام لدولة الكويت و اثر التفكك في قواه وسعي قوى دولية لإبعاده عن السلطة قد لجا إلى نوع آخر من الاندساسات يكون في هذه المرة وبشكله الجديد داخل قوى المعارضة وليس تنظيماتها فقط، عن طريق تنظيمات وأشخاص ظهروا وكأنهم منشقون عن النظام ويعادونه.
وهكذا وجدنا الآن بعد سقوط النظام وبروز دور المعارضة في حياة البلد السياسية ان هناك كم لا يستهان به من الأفراد والتنظيمات السياسية التي تشكلت بعيد السقوط، مستثمرة حالة الفوضى وجو الحرية، فشكلوا جميعا الأدوات الرئيسية لاستراتيجية عودة البعثيين إلى الواجهة ثم إلى السلطة.
من بين ابرز واهم ابتكارات البعثيين من وسائل يراد لها ان تقوم بالتهيئة العقلية والنفسية للشارع السياسي للرضوخ لهم وقبولهم هو ابتكارهم لمصطلح <الصداميين>، وسعيهم لترويجه ، وذلك للفصل بين البعثيين <والصداميين> واظهارهما وكأنهما حالتين مختلفتين جوهريا. بينما البعث، كعقلية ومفاهيم، ان لم يكن بالمنطلقات النظرية، فبالممارسة العملية، هو تنظيم عنصري فاشي. والعقلية التي أنتجت عقائده بالإضافة إلى ظروف تشكله التاريخي توصلان الى أنهما هما المنتج الفعلي لظاهرة <الصدامية>. بل أكثر من هذا ان <الصدامية>، مع كل التحفظ على هذا الاصطلاح، هي أكثر الصور جلاءا لعقيدة البعث وأكثر النماذج تحقيقا لذهنيته وقيمه.
ولم تكن عملية الترويج لهذا المصطلح ـ المفهوم بدعة جديدة، وإنما هي بدأت قبل سقوط النظام بسنوات وحمل رايتها صاحب جريدة الزمان ألبعثي< سعد البزاز>. وقد تركزت مساهمة هذا الشخص وتوسعت بعد سقوط النظام من خلال محطته الفضائية< الشرقية>< الحيادية في طرحها>< والتي لا تخشى في الحق لومة لائم>< هكذا> التي صارت منبرا للعروبيين والبعثيين.
الابتكار الثاني لهذه الاستراتيجية هو الربط حد التماهي بين سنة العراق العرب وبين تنظيمات البعث ومؤسسات قمعه ضمن بقعة جغرافية محددة هي غرب العراق. فابتكروا مصطلح <المثلث السني> في محاولة لإلباس الصراع الدائر بين قوى الشعب من جهة وبين بقايا النظام ألبعثي من جهة أخرى لباسا طائفيا لتحشيد وتضليل سنة العراق العرب. لهذا ينبغي، بتقديري، إبدال هذا المصطلح التضليلي
< المثلث السني> بمصطلح <المثلث ألبعثي> لأنه اقرب للواقع. أما إذا كان السنة العرب في هذا المثلث قد اختاروا البعث ممثلا أيدلوجيا وغطاءا سياسيا لهم، فعليهم ان يتحملوا نتائج ذلك، وان يقبلوا إقصائهم من الحياة السياسية لأنهم، في تلك الحالة، ينضوون تحت راية الفاشية والاستبداد ويضعون أنفسهم في الجانب المضاد والمعادي للشعب العراقي بمختلف مكوناته.
استكمالا لادوار هذه الاستراتيجية تشكلت تنظيمات جديدة ـ كجماعة الحوار الوطني< لصاحبه صالح المطلك. وتنظيم أيهم السامرائي ومشعان الجبوري وبعض التنظيمات العروبية الأخرى > انظمت بجهودها إلى تنظيم أياد علاوي الذي عاد إلى أحضان < الحبايب> الأولى بعدما عجز عن تجاوز بعثيته واخذ يروج لإلغاء فكرة البعث مع الإبقاء على البعثيين. وهذه مفارقة محيرة فكاننا بتغيير عنوان البعثيين نكون قد غيرنا جوهرهم وتخلصنا من آثارهم في حياتنا.
استدراكا للفكرة نقول: لاباس لمن حمل التفكير ألبعثي من تغيير أفكاره وتبني طروحات عصرية إنسانية تنسجم مع تطورات الحياة والعصر، ولكن هذا لا يكون بضغطة زر، فهذا التغير يتطلب جهودا ومراجعات ومدة زمنية ربما تتجاوز عمر جيل بأكمله. فمسالة قدرة البعث على تغيير طروحاته وتقديم نفسه من جديد ـ إذا استطاع البقاء على قيد الحياة ـ تفترض مرور مدة زمنية طويلة جدا وبحاجة إلى براهين عملية كثيرة وكبيرة مشكوك في أهلية هذا الفكر وهؤلاء الأفراد على امتلاكها وتقديمها، ناهيك عن إقناع الناس بها، وبالتالي الأفضل لهم الانسحاب من الحياة السياسية والقبول بمصيرهم الحتمي:
الزوال والانقراض.
لا يمكننا بعد ما تقدم إلا ان نصف الاستراتيجية البعثية بالاستراتيجية التدميرية لأنها لاتحمل أي وازع أخلاقي أو قيم إنسانية أو وطنية. فهي كما خبرناها في كل الظروف ولاسيما الحالية، تريد إشاعة الرعب ونشر الخوف بتعمدها القتل العشوائي، وتخريب البنية التحتية، والاغتيالات وبإحالة حياة المواطن إلى جحيم لا يطاق وبترهيب من يتفاعل مع العملية السياسية ممن يحسب على معسكرهم.
والمتابعون حتما يدركون ان هناك أدوات وعناصر متعددة متوافرة لتنفيذ هذه الاستراتيجية، من تنظيمات سياسية اشرنا لبعضها وقدرات مادية < مبالغ ضخمة من أموال البلد هربت إلى الخارج> وامكانات لوجستية< قدرات أجهزة دولة بأكملها هربوا بها تحت الأرض> وهناك ايضا كتاب و< مثقفون> صلفون يدافعون عن النظام ورموزه.وايضا فضائيات عربية وعراقية، صحف، وحتى مطربون، وأكثر من ذلك ان رموزهم موجودون على قيد الحياة، ويطالبون بكل وقاحة بإخراجهم من السجن. لايمكن اغفال مااتاحه لهم الظرف الحالي الشاذ من قدرة على التحرك لنشر سمومهم بين الناس واعانهم على تعطيل فاعلية المجتمع باشاعة السلبية والترقب خوفا أو عدم ثقة بالبدائل. وهنا، بالبدائل، يجب ان يأخذ الموضوع انعطافته. فاستراتيجية البعثيين لم يكن لها ان تنجح، وبأي مستوى كان، لولا غياب الاستراتيجية البديلة في مواجهتها. وهذا الأمر تتحكم به عدة عوامل. منها تشتت القرار وضعف استقلالية الحكومة والقوى السياسية على العموم بسبب الاحتلال، الذي يعمق الاختلالات الدائمة في أبنية وأنشطة الدولة والمجتمع. ولكن الخلل الأكبر الان، برايي، يأتي من تخبط الدولة في إتباع الإجراءات المناسبة لردع هذه الاستراتيجية. فالخبرة التاريخية تؤكد ان على أي دولة، مهما أوغلت في ديمقراطيتها وإنسانيتها، بل بسبب ذلك، ان تواجه مثل هذه الممارسات بالمزيد من الحزم والشدة للدفاع عن نفسها وعن المجتمع. فما هو حاصل الآن من إبقاء للمجرمين دون عقاب وإبقاء رؤوس النظام دون حسم في مصيرهم يمد البعثيين بالأمل في تواصل تنفيذ خططهم.
والأمل بالعودة هو المداد الذي يمد البعثيين بالثقة ويجرئهم على الإيغال في تنفيذها.< وما يتناقل من أخبار هذه الأيام عن مفاوضات للبعثيين في الخارج مع الاحتلال يدلل على أنهم تقدموا كثيرا في مخطط عودتهم >. فهم حتى بعد إلقاء القبض عليهم وإظهار توبتهم الزائفة < جميعهم يظهر ندمه بعد إلقاء القبض عليه> يأملون في تحول بالظروف سيخرجون فيه من السجن ويحصلون على المكافأة. ولازال حتى صدام، بكل حمق وسفاهة، يأمل بالعودة إلى السلطة. فهل يكون الآخرون اقل غرورا وبلاهة منه؟.
ان تشديد الحزم وتنفيذ عقوبات قاسية جدا بحق من تثبت إدانته وبدون تأخير، هو، بلا شك، احد أهم الإجراءات الضرورية الكفيلة يردع البعثيين ويوقف زخم عنفهم المسلط على المواطنين.
نقول هذا لان الحكومة العراقية قد بالغت، بلينها، لإظهار نفسها بالمظهر الديمقراطي والحريص على حقوق الإنسان. الأمر الذي يدفع بتساؤل مشروع يحق للمواطن ان يطرحه:
أليس بالأمر العجيب أن الحكومة تحفظ حقوق مجرم كصدام فيما هي تخرق حقوق كل العراقيين من خلال تهاونها برد الصدمات عنهم، وتركهم فريسة سهلة لأعدائهم؟. اوليس غياب الخدمات بحد ذاته هو حالة من الانتهاك لحقوق الإنسان العراقي تتسبب به الحكومة بتهاونها مع البعثيين؟.
ان البعثيين يأملون بالعودة لأنهم يؤمنون بالمثل الغجري القائل:
من السجن تستطيع الخروج لكنك من القبر لن تخرج أبدا.!.!
فلا تدعونهم يدخلون السجون إذن.
31-7-2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق